الرئيسيةالدراسات القرآنيةضمائر المخاطبة في حوار فتية الكهف

ضمائر المخاطبة في حوار فتية الكهف

Views43
Date2025-04-11

"وَكَذَٰلِكَ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيۡنَهُمۡۚ قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ كَمۡ لَبِثۡتُمۡۖ قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۚ قَالُواْ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ فَٱبۡعَثُوٓاْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَٰذِهِۦٓ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ فَلۡيَنظُرۡ أَيُّهَآ أَزۡكَىٰ طَعَامٗا فَلۡيَأۡتِكُم بِرِزۡقٖ مِّنۡهُ وَلۡيَتَلَطَّفۡ وَلَا يُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا ﴿١٩﴾ إِنَّهُمۡ إِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ يَرۡجُمُوكُمۡ أَوۡ يُعِيدُوكُمۡ فِي مِلَّتِهِمۡ وَلَن تُفۡلِحُوٓاْ إِذًا أَبَدٗا ﴿٢٠﴾" [الكهف: 19]

استخدام الفتية لضمائر المخاطبة وطريقة توجيهها بينهم في حوارهم بعد استيقاظهم غريبة جداً تستحق الوقوف عندها .. ولربما كان وقوفاً طويلاً!!!

 

  • كم لبثتم! كان معهم ولبث معهم فلماذا لم يقل كم لبثنا ؟؟!!!

 

  • قالوا ربكم أعلم بما لبثتم! لماذا لم يقولوا ربنا أعلم بما لبثنا؟؟!!!

 

  • فابعثوا أحدكم بورقكم هذه! أحدكم! بورقكم! لماذا ؟؟!! لماذا لم يقولوا فلنبعث أحدنا بورقنا هذه؟؟!!!

 

  • فليأتكم برزق منه!... عجباً! أولا يعنيهم الرزق هم أيضاً! فلماذا لم يقولوا فليأتنا برزق منه؟؟!! 

 

  • وليتلطف ولا يشعرن بكم أحداً! إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذن أبداً!!! وهكذا ينتهي الحوار بينهم، وبانتهائه تُضاف علامة استفهام أخرى إلى تلك العلامات التي سبقت... بل ولربما كانت أثقلهن وأكثرهن لفتاً للانتباه... لا يشعرن بكم؟؟!!! لماذا استثنوا أنفسهم من اكتشاف القوم لهم مع غيرهم وإن حدث هذا الاكتشاف فلماذا اسثنوا أنفسهم من  العاقبة... أقصد من الرجم أو الفتنة للعودة في دين القوم؟؟!! "إِنَّهُمۡ إِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ يَرۡجُمُوكُمۡ أَوۡ يُعِيدُوكُمۡ فِي مِلَّتِهِمۡ وَلَن تُفۡلِحُوٓاْ إِذًا أَبَدٗا" [الكهف: 20]

 

وهنا نتفق على أمرين الأول أن الأمر لا يخلو من الغرابة حقاً والثاني لا بد من وجود تفسير لهذا... فقط عند الاعتقاد بذلك يصبح البحث عن الجواب ممكناً  والوصول إليه قريباً...أما البحث عن الجواب فيكون في تصوير القصة في خيالاتنا مرة بعد مرة، محاولين أن نستشعر شعورهم... نسأل أسألتهم  كما لو كنا نحن من نام ونحن من استيقظ.. نقرأ أفكارهم وما سيجول في خواطرهم!! وأما الجواب فهو توفيق من الله تعالى...

 

يوجد استثناء واضح جداً لمجموعة منهم ظهرت في طريقة خطابها للمجموعة الأخرى.. فهم يستثنون أنفسهم من الذهاب للإيتان بالرزق والورق الذي سيستخدمونه كما يستثنون أنفسهم من الرزق نفسه فهم لن يأكلوا معهم! كما يتوجهون إليهم بالنصح لئلا يتم اكتشافهم من قبل القوم الذي إن حدث كانت عاقبته وبيلة عليهم تنتهي برجمهم أو عودتهم في دينهم، كل هذا هم مستثنون منه!!

 

يبدو أن فتية الكهف كانوا مجموعتين... مجموعة انكشف أمر إيمانها لدى القوم وأصبحت ملاحقة، ومجموعة ثانية مازالت تخفي إيمانها وظل أمرها طي الكتمان، وحينما وقعت المصيبة وانكشف أمر المجموعة الأولى لجأ فتيتها إلى الكهف ليس كمهرب أخير بل كمحطة اختباء مؤقت للبحث عن حل ومخرج لما هم فيه،  والمتوقع أن فتية المجموعة الثانية تبعوهم في وقت لاحق للمشاورة والمساندة، حيث يجدر بالذكر أن الكهف كما يبدو من سياق الآيات السابقة معروف مألوف للفتية من قبل.. فلربما كانوا يجدون فيه راحتهم وهدوءهم وتدارس دينهم ومعيشتهم.. "وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا ﴿١٦﴾" الكهف

وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان... ونام الفتية كلهم جميعاً ٣٠٠ سنة!!!

واستيقظوا من رقادهم ليبدأ ذاك الحوار...!!!

الحوار بداية كان بين أفراد المجموعة الأولى حيث سأل واحد منهم كم لبثتم وجاء الرد من باقي فتيتها لبثنا يوماً أو بعض يوم ويبدو أن الحوار بينهم قد طال لما لاحظوا من إمارات وملاحظات مثيرة للشك والعجب في المحيط بهم من وقت أو طقس أو غيره، ليتدخل فتية المجموعة الأخرى : الله أعلم بما لبثتم أي دعوا الخوض في مدة اللبث فلا يعلمها إلا الله وخذوا في شيء آخر يهمكم وعند هذه النقطة بالذات نورد ما قاله ابن عاشور  في تفسيره التحرير والتنوير بخصوص هذا الجزء من الآية الكريمة:

(وتفريع قولهم { فابعثوا أحدكم } على قولهم { ربكم أعلم بما لبثتم } لأنه في معنى فدَعُوا الخوض في مدة اللبث فلا يعلمها إلا الله وخذوا في شيء آخر مما يهمكم، وهو قريب من الأسلوب الحكيم. وهو تلقي السائل بغير ما يتطلب تنبيهاً على أن غيره أولى بحاله،) انتهى الاقتباس.

 

فتية المجموعة التي لم يكتشف أمرها يستعدون للعودة إلى بيوتهم وأعمالهم... فيقترحون على الفتية الذين كشف أمرهم بأن يرسلوا أحدهم بورقهم هذه إلى المدينة متلطفاً ليأتي برزق وينصحونهم بالتخفي من القوم.

أما السؤال لماذا لم يذهب أحد من المجموعة التي لم يكتشف أمرها؟ ربما لأن فتيتها كانوا معروفين في المدينة فلم يريدوا أن يثيروا الشك أو يبرزوا في موضع ليس لهم أن يكونوا فيه!!

 

والسؤال الثاني لمَ قالوا ورقكم هذه... ربما تم جمع مبلغ من المال من كلٍ بحسب قدرته، ومن باب رفع الحرج والتكافل قالوا ورقكم هذه. وهنا نتقاطع مع قول الطبطبائي في تفسيره أنها أدباً ولا نتقاطع معه في غيرها، فقد فسر هذه الضمائر كما يلي: 

(وسياق ما حكي من محاورتهم أعني قوله { لبثتم } إلى تمام الآيتين سياق عجيب دال على كمال تحابهم في الله ومواخاتهم في الدين وأخذهم بالمساواة بين أنفسهم ونصح بعضهم لبعض وإشفاق بعضهم على بعض فقد تقدم أن قول القائلين { ربكم أعلم بما لبثتم } تنبيه ودلالة على موقع من التوحيد أعلى وأرفع درجة مما يدل عليه قول الآخرين { لبثنا يوماً أو بعض يوم }. ثم قول القائل { فابعثوا } حيث عرض بعث الرسول على الجميع ولم يستبد بقول ليذهب أحدكم وقوله { أحدكم } ولم يقل اذهب يا فلان أو ابعثوا فلاناً وقوله { بورقكم هذه } فأضاف الورق إلى الجميع كل ذلك دليل المواخاة والمساواة.)انتهى الاقتباس.

ولا أظن الأمر في كليته-أي طريقة استخدام ضمائر المخاطبة في حوارهم- سببه المساواة والأخوة!!!

 

ومع هذا فمن القيم أيضاً أن نورد ما ذكره الطبطبائي في تفسيره استدلالاً من هذا الحوار  على عددهم، وهو قول جميل:

(ومن هنا يستفاد أن القوم كانوا سبعة أو أزيد إذ قد وقع في حكاية محاورتهم { قال } مرة و { قالوا } مرتين وأقل الجمع ثلاثة فقد كانوا لا يقل عددهم من سبعة)انتهى الاقتباس.

 

 

والله تعالى أعلم.

مراجع البحث

  • تفسير التحرير والتنوير/ابن عاشور
  • تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي

مواضيع متعلقة بالمحتوى

أرسل تعليق

دراسات قرآنية ذات صلة

quranReflication

كم لبث فتية الكهف؟

"وَلَبِثُواْ فِي كَهۡفِهِمۡ ثَلَٰثَ مِاْئَةٖ سِنِينَ وَٱزۡدَادُواْ تِسۡعٗا"[الكهف: 25]


quranReflication

من هو رسول سورة الدخان؟!

"فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ﴿١٠﴾ يَغۡشَى ٱلنَّاسَۖ هَٰذَا عَذَاب...


quranReflication

إفساد بني إسرائيل

"وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡن...


quranReflication

عصا سيدنا موسى

"وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ"[الأ...


تأملات في الرسم القرآني ذات صلة


لا يوجد محتوى