وكذلك ننجي المؤمنين
وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٨٧﴾ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴿٨٨﴾ [الأنبياء: ٨٧-٨٨]
لهذه الكلمة الرائعة مكانة خاصة عندي... لأنها أول لوحة فنية كنت قد وقفت أمامها حائرة أضع علامة استفهام تتلو الأخرى! أحاول أن أفهم لماذا كتبت هكذا ولم تكتب ننجي وانتهى؟!!!
وبعد بحث ممتع كنت فيه كمن يفتش في صندوق من الأسرار والكنوز مبهورة ببريقها ولمعانها وجمالها.. خاصة وأنني لأول مرة أغوص في ذلك الفكر واكتشف تلك الكنوز.
فالرسم الذي تميزت به كلمة "{نُـۨجِي}" في سورة الأنبياء ينطق بحقيقة واحدة ليس لا تقبل النقاش بل لا تقبل بمحاولة النقاش!!
فمن ذا الذي سيخطر له رسم ننجي بهذا الشكل ولماذا وكيف؟؟؟ ثم لماذا لم يكرر الرسم ذاته في الموضع الآخر والوحيد الذي وردت فيه نفس الكلمة في سورة يونس "{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴿١٠٣﴾}"؟!!
وكيف يسمح الله تعالى أن يكون الكتاب العظيم خاضعاً لأهواء البشر!!!
إذن: الرسم القرآني مقصود لذاته في مكانه وسياقه... الرسم القرآني رباني توقيفي.
لقد وصف الدكتور صلاح الخالدي رحمه الله اللغة العربية بأنها "اللغة العربية الشاعرة" في كتابه "إعجاز القرآن البياني" ولكن يبدو أن لغتنا ليست شاعرة فحسب بل هي رسامة أيضاً... صاحبة ريشة استثائية تبدع لوحاتها لا بالألوان ولكن بالحروف!! وإذا كانت الألوان ودرجاتها وأبعاد الخطوط هي مفاتيح الفهم للوحة الفنية، ففي القرآن الكريم .. إن زيادة الحروف ونقصانها واستبدالها وطريقة كتابتها هي مفاتيح الفهم للوحة الفنية القرآنية!!! لتتحول الكلمة إلى صورة حية نابضة بالحركة واللون في سياقها ومكانها!!
ولنعد إلى "{وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٨٧﴾ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴿٨٨﴾}"
في ظلمات الغم... في ظلمات البحر... في ظلمات الخوف... في ظلمات الحوت وبطنه... في ظلمات السقم والألم والندم... ينجي الله تعالى ذا النون بتسبيحه واستغفاره..
فذو النون (يونس عليه السلام)... مختزل في تلك النون الصغيرة التي تحتضنها وتطوقها وتحملها تلك النون الكبيرة التي توحي إلى الفاعل والمدبر العظيم وهو الله تعالى. وكهذا الإنجاء المثقل بالرحمة واللطف المتميز بالقدرة الإلهية التي لا تعجز عن شيء ولا يقف أمامها شيء يعد الله تعالى عباده المؤمنين!!
والله تعالى أعلم.
مراجع البحث
لا يوجد محتوى
مواضيع متعلقة بالمحتوى
أرسل تعليق
دراسات قرآنية ذات صلة
"فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ﴿١٠﴾ يَغۡشَى ٱلنَّاسَۖ هَٰذَا عَذَاب...
"وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡن...
"وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ"[الأ...
"سَيَقُولُونَ ثَلَٰثَةٞ رَّابِعُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ وَيَقُولُونَ خَمۡسَةٞ سَادِسُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ رَ...
تأملات في الرسم القرآني ذات صلة

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿١﴾ [الفاتحة: 1]

{ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَر...